قـِصـَّةُ أُمٍّ فـَقـِيـرَةٍ، مـاتَ زَوجـُهـا، وَتـَرَكـَهـا تـُكـافـِحُ؛ لـِتـَعـُـولَ أَبـنـاءَهـا
فـِي ظـَهـِيـرَة ِيـَوم ٍمـِنْ أَيـّام ِالـرّبـيـع، بـِجـوارِ حـَقـل ٍأَخـضـَرَ بـَدِيـعٍ، وَفـي مـَكـانٍ مـِن أَروع ِ الأمـاكـن ِوَأجـمـلـِهـا، خـَرَجـَتْ عـائـِلـَة ُ (أَبـِي سـامـِي) فـي نـُزهـَةٍ؛ لـِيـُرفـِّهـُوا عـَن أَنـفـُسـِهـِم، بـَعـدَ قـَضـاءِ يـوم ٍ شـَّاقٍّ، حـُفَّ بـالـمـتـاعـِب.
وَفـَجـأةً... -حـيـنـَمـا كـانـوا يـَسـتـَمـتـِعـُونَ بـِهـذا الـمـنـظـرِ الــسّـاحِـرِ، الـخـلاب- سـَمـِعـُوا صـَوتـًا غـَريـبـًا، يـتـِّجـِهُ نـَحـوَهـُم. وَإذا بـِدُبٍّ ضَـخـم ٍوَشـَرِسٍ، يـُسـرِع ُنـَحـوَ الـرَّجـُلِ، وَيـَضــرِبـُه بـِكـُلِّ قـُـواهُ، فـَسـالـتْ دِمـاؤُهُ بـِغـَزارةٍ، حـَتـّى فـارقَ الـحـيـاة. فـَذُهـِلـَتِ الـزَّوجـَة ُلـِهـذا الـمـَوقـِفِ، وَظـلـَّتْ -مـُدَّةً طـَوِيـلـَةً- حـائـِرَةً حـَزِيـنـَةً، بـَعـدَ أَنْ خـَسِـرَتْ أَعـَـزَّ إِنـسـان ٍعـلـيـهـا. فـَهـُوَ -بـعـدَ رحـيـلـِهِ- لـمْ
يـتـركْ لـهـا ولأطـفـالـهـا سـِوَى أطـيـاف ٍمـن الـبـُؤس ِوالـحـُزن ِوالـحـِرمـان.
وَقـَفَ الـنـّاسُ مـَوقـِفـًا حـَزيـنـًا مـِنْ (أمِّ سـامـِي) وأطـفـالـِهـا، وحـاوَلـُوا تـبـديـد حـُـزنـِهـِم بـِشـَتـّى الـوسـائـل، فـلـَمْ يـسـتـطـيـعـوا؛ لأنَّ الـدّمـوع َلا تـُفـارِقُ الـعـُيـُونَ، وَلأنـّهـمْ لـَيـسَ بـِإمـكـانـِهـِمْ مـَلْءُ فـَراغ ِالـعـائـِلـَة.
وَلـكـنَّ (أمَّ سـامِـي) لـَمْ تـيـأسْ، وفـَوَّضـَتْ أَمـرَهـا إلـى الله، وكـافـَحـَتْ مـِن أَجـل ِأَنْ تـؤمـِّنَ لأطـفـالـِهـا لـُقـمـَة َالـعـَيـش ِوالـحـيـاةِ الـهـانـِئـَة. فـأَخـَذُوا يـَبـحـَثـُونَ عـَن عـَمـَلٍ يـُوفـِّرُ لـَهـُمُ الـمـال.
وَبـَعـدَ هـذا الـكـَدِّ وَالـجـُهـدِ، وَجـَدُوا عـَمـَلا شـاقــًّا، وَهـُوَ صـُنـعُ الـسـَّجـّادِ بـِاسـتـِخـدام ِآلـةٍ قـديـمـة. ولـكـنـَّهـُمْ لـَمْ يـَيـأَسـُوا، بـلْ تـَعـاوَنـُوا، وتـغـلـّبـوا عـلـى هـذه الـمـشـقـَّة -عـلـى الـرّغـم مـن ضَـعـفـِهـِم وصـِغـَرِ سـِنـِّهـِم-؛ لـِيـَهــزِمُـوا الـفـقــرَ وَالـــحـِــرمـان.
لاقـَتْ (أمُّ سـامـِي) وَأَطـفـالـَهـا مـَتـاعـِبَ كـَثـِيـرَةً؛ بـِسـَبـَبِ الـثـَّمـَن ِالـقـَلـيـلِ، الـذي كـانـَتْ تـُنـتـِجـُهُ آلـة ُصـُنـع ِالـسـَّجـّاَد؛ فـَقـَدْ كـانَ ثـَمـَنُ الـسـَّجـَّادةِ الـواحـدةِ ديـنـارَيـن ِفـَـقـَطْ. وَهـذا الـمـَبـلـَغُ لا يـَكـفـِي
لـِشـِراء ِقـُوت ِيـَومـِهـِم.
وَذاتَ يـَوم ٍذَهـَبَ الابــنُ الأَكـبـَرُ (سـامـِي)؛ لـِشـِراء ِبـَعـض ِالـطـَّعـامِ، فـَأُصـِيـبَ بـِحـادِثِ سـَيـرٍ، وَنـُقـِلَ إلـى الـمُـسـتـَشـفـَى؛ لـِتـَلـَقـِّي الـعـِلاج ِالـلازِمِ.
سـَمـِعـَتْ جـارَتـُهُ بـِهـذا الـخـَبـَرِ مـِـنْ بـَعـض ِنـِسـاء ِالـحـَيِّ، فـَذَهـَبـَتْ مـُهـَروِلـَةً؛ لإخـبـارِ أُمـِّهِ بـِمـا حـَدَث. فـَصـُدِمـَتِ الأمُّ؛ لـِسـمـاع ِذلـك. وَدارَ بـَيـنـَهـُمـا هـذا الـحـِِـوار:
(أمُّ سـامـِي): هـَلْ أَنـتِ مـُتـأكـِّدَة؟
الـجـارَة: نـعـمْ.
(أمُّ ســامـِـي) -مــُفــوِّضـَـة ًأَمــرَهــا إلـى رَحــمــان ِالــسـَّـمــوات ِوَالأَرض-: "حـَـســبـُــنـا الله ِونـعـمَ الـوَكـِيـل".
كـافـَحـَتْ؛ (أُمُّ سـامـِي) مـِنْ أَجـل ِالـحـُصـُول ِعـَلـى الـمـالِ؛ لـِتـَسـدِيـد ِثـَمـَن ِالـعـِلاج. فـَلـَمْ تـَجـِدْ إلا عـَمـَلا بـَسـِيـطـًا، وَهـُوَ الـعـَمـَلُ فـي بـُيـُوتِ الـنـّاس ِ، فـَلـَمْ تـَحـصـُلْ إلا عـَلـى أَجـر ٍقـَلـِيـلٍ، لا يـَكـفـِي لإطـعـام ِأطـفـالـِهـا الـجـِيـاع، ولا لـِعـِلاج ِابـنـِهـا (سـامـِي).
فـَظـَلـَّتْ تـَعـمـَلُ لـَيـلا وَنـَهـارًا؛ حـَتـَّى تـُؤَمـِّنَ لـَهـُمْ لـُـقـَمـَة َالـعـَيـشِ، وَحـَتـَّى لا تـَسـأَلَ الـنـَّاسَ -فـي هـذا الــزَّمـانِ- الـذي صـارُوا فـِـيـهِ وُحـُوشـًا لا يـُقـَدِّرُونَ
الآخـَـرِيــن.
بـقـلـم: فـهـيـمـة مـحـمــود دوابـشـة.